نساؤنا القادمات-صلاح انياكي أيوب (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

نساؤنا القادمات

  صلاح انياكي أيوب    

توقـف الأطوبيـس المهتـرئ … نـزل القليـل مـن الركـاب وصعـد الكثيـرون … تشابكت الأيدي في الهواء باحثة عن متكإ أو حزام أمان …
كنت من بين الصاعدين ، كادت أنفاسي تنفلت مني حينما اختلطت رائحة الأجساد والعطور ...
-    أتدري يـا طفلـي النائـم على تـل قريتنا كيف يتحول العطر على جسد مبتل بعرق المسافات ؟! لا أظن أنك قد تعلم ، لكـن لو مررت يوما قرب جيفة أو حائط كـتب عـلـيه » ممنوع البول « لأدركت زحمة هذا الأطوبيس بالنسبة لرجل ريفي مثلي يتهجى أرقام المحطات وأسماء الأزقة والحوانيت .
… قدري شـاء أن أركـب مؤخرة الأطوبيس ولأن أقـدار المواعيد تشاء أن أنهي رحلتي في المحطة القادمة … دب فـي خوف التيه وسـط مـديـنـة كـبـيـرة كـهذه ؛ لذا اندفعت وسط الأجسـاد المـتراصة بإحـكام والمتداعية في أحد أطرافها للسقوط لولا غريزة الدفء الذي يهبه الجسد طائعا كلما اشتم رائحة جسد آخر .
اندفعت نحـو الأمـام لا ألـوي علـى شـيء … فقط الاقتراب من الباب هو رحلتي الأخرى التي لم أكن أحسب لها حسابا مـن ذي قبل... إن إحساس الذكر ما زال يقبع بداخلي متربصــا لـدعــة الأنـثـى ، مترقبا فجوة رائعة أو نظرة تعيد تـوازن الريفي الذي اختل مـا أن وجــدت نـــفـسي بـيـن الـزحام وجلبة الطرقات … لقـد أحسست برعشة غريبة ما أن تهادى عطرها بين قناة أنفي اليمنى ، حيث كانت تقف وكأنها رسم فرعوني على حجر .
-    سبحان الخالق فيما خلق .
الـقـد لا يـوازيـه إلا جـذع شـجـرة بـلـوط فـي عـنـفـوان اخضرارها … هذا ما كنت أخافه وأنا القادم إلى مدينة تشغل الناس وتدفن ماضيهم بين نعوش الأجساد الفتية .
الشعر الجميل منسدل على الكتفين …
-    آه يا طفلي الـصغـير لو تدري كم أنعش هذا الأسود بياضات ريفيتي … شعر مربوط إلى الخلف بشريط ملون كان الأحمر فيه الجزء البارز والذي أضاء الكتفين بحمرة شفق على أهبة الاختفاء الأخير .
والقرط الوحيد !      
-    مسـكـيـنـة هي … لربـما أضاعت قرطها الثاني في زحام الصعود والنزول ، قرط مذهب الحواشي ، يتدلى في غنج لا تقلقه إلا نظرات عجائز فاتهن قطار الـعـمر ! كل شيء حولها في مقتبل العمر كلؤلؤة أجادت يد صانع تشكيل حواشيها .
-    ولكن ماذا لو نظرت في وجهها أيها الريفي … لربما تنسى محطتك الأخيرة ؟!
لـوحـدهـا مـكـابـح الأطـوبـيس أفاقتني من غـفوة هـذا السيل الجارف من الاشتهاءات وهي تحدث ضجيجا قويا بعدما تفادى السائق الارتطام بقطار أطفال يقطعـون الـطـريق الفاصل بين باب المدرسة والطوار الآخر … تحركت من جديد لأصل الباب الأمامي وكان من الضروري أن أشبع فضولي برؤية وجه هذه الفاتنة .
-    من فضلك أختي ، وأنا ألمس كتفها في أدب ، اسمحي لي !
التفتـت بـعض الـشيء … ملامح الوجه التي بدت تعاكس ما أوحت به ربطة الشعر والقرط ولباس الأنثى وفي دعة ابتسمت لتزيل اندهاشي قليلا :
-   OK ! Monsieur … mais Il faut porter des lunettes! !  
-    ماذا ! !
وأنا ألمس نضارتي الطبية بسذاجة غير متوقعة
   - Mais j’en ai une !
وضاحكة أجابت …
-    Sans doute elles sont poussiéreuses !
وأنا أرمي بنفسي خارج الأطوبيس رددت صامتا
-    أيعقل أن يكون هذا رجلا ؟!
وظـلت مـبـتـسـمة مـن وراء زجـاج الـنافـذة وأنا أحدق في هذا الجنس أهو ذكر أم أنثى . أم هو رهن الاستعمال المشترك ! ! أم هو مخلوق يتنفس خارج دائرة الأجناس !
والأطوبيس يكمل طريقه الطويل بقيت واقـفـا فـي مكاني بلا حراك وصاحبتي انشغلت على ما يبدو بالحديث إلى مرآتـها الصغيرة . وفــي انـتـظـار أن تـعـلـن جـرائــدنا الـرسـمـية خبر نسائنا القادمات سأبحث عن أقرب قنصلية تعيدني إلى قريتي الوديعة حيث ما زال الفرق واضحا بين رجل وأنثى !



 
  صلاح انياكي أيوب (المغرب) (2009-10-01)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

نساؤنا القادمات-صلاح انياكي أيوب (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia